(جزائر لو تعود إليه / لاوطن لك فاغترب ...)
تبدأ أزمة المثقف الجزائري منذ الاستقلال وتتأزم تدريجيا لتصل الى ذروتها في العشرية السوداء حيث تسقط كل الأقنعة لتظهر ملامح مثقف بلا شكل ولا وظيفة همه الوحيد أن يأكل الخبز ويعيش بلا قيم .ان فلسفة أنطونيو غراميشي المثقف الوظيفي التي يدل على الاسهام الفعال في الحياة العملية من حيث هو مصمم وبناء ومنظم ومحرض دائم لم تعد تنفع في الجزائر أن تكون مثقفا يعني أن تغترب أو تنتحر وجوديا واجتماعيا .
السلطة في الجزائر تشكلت بنظريتين نظرية اشتراكية تبلورت بعد الثورة وتجسدت بقاعدة كل شيء في الوطن ويجب أن نتقاسمه ومرت الأيام ودارت الأيام وحدثت مأساة أكتوبر ولم يعد في الوطن شيء ويجب أن نعطيه ما عندنا ..وتغير المسار وصار للعشب مخلب ولبستنا دوامة عنف وارهاب أدت الى تشكيل بنية السلطة بثالوث جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي وحركة حماس - حمس وبدأت هذه التيارات في تشكيل النخبة واعادة غسيل مخ المثقف وطفح السطح بمثقف التعالف والتحالف .
ما يحدث الآن في الجزائر يوحي بأزمة في وجود المثقف وحريته وهويته وقوته وموقفه بدءا من اغتياله كما حدث مع بختي بن عودة وعز الدين مجوبي والشاب حسني الى أزمة التلفزيون مع الكاتب عبد الرزاق بوكبة وأزمة الاذاعة مع عادل صياد وبيان موته الشعري.. انها مرحلة التحول الفظيع للأنتجنسيا الجزائرية من ثقافة الابداع والحرية والموقف الى مثقف المؤسسة
في هذا المقال نريد تفكيك بنية المثقف الجزائري وبنية السلطة شكلا ووظيفة وحركية الجدل التي أدت الى افراز واقع متعفن كثرت فيه الاضرابات عبر كل القطاعات الادارية والعمالية ، والاحتجاجات الاجتماعية في شتى الميادين سكن وبطالة وعمل ، السؤال المحرج الذي يطرح نفسه هو كيف تم التحول من الارهاب وحظر التجول والطواريء الى هذا الوضع هل الخلل في بنية المجتمع أو في بنية السلطة ثم ما هي الوضعية المنطقية للمثقف الجزائري وسط هذا الواقع هل هو بحريته وهويته يأخذ بيد المجتمع أم أنه ينقذ السلطة من التيه في السراب .
نفصل في هذا المقام الموضوع حسب العناصر التالية :
1 – وجه المثقف وقفا السلطة
2- قفا المثقف وجه السلطة
3- عتبة السلطة وملحمة السقوط
4- خيبة الديموقراطية
5- يوتوبيا المثقف
6- كوجيتو المثقف
7- أنتلجنسيا الخبز
1 وجه المثقف قفا السلطة /
* حين تغيب السلطة فالمثقف هو السلطة*
من هذه المقولة نعرف الشكل الوجودي للمثقف انه كائن سوبرماني يمتلك هوية وحرية ومعرفة من خلال هذه الثلاثية يرسم وظيفته في الحياة ويغرسها في الواقع والأذهان بالهوية يجدد الأصول والثوابت ويجدد القيم حسب ديمومة الواقع وحركيته بالحرية يعيد للذات وحيها التائه في سراب العدم وبالمعرفة يستثمر العقل والأفكار في نقد القيم والواقع .
المثقف الجزائري وفق هذه المعايير له هوية تجعله غريبا وحرية تجعله مسكينا ومعرفة تجعله انتهازيا ..انه بهويته يحيا الوهم وبحريته يحيا دونكيشوتيا وبمعرفته يحيا أترك رأسي وأضرب .
ان المثقف الجزائري الذي نتحدث عنه في هذا السياق هو مثقف خلقه الواقع الجزائري ونجحت السلطة في غوايته واحتوائه ودخل اللعبة بوجه كلب ينبح أو يحرك ذيله أو في رقبته قلادة من ذهب اذا نبح يعطى له العظم فياكله ويلهى به وفي كل مناسبة رسمية يحرك ذيله لأنه يعتقد في رقبته قلادة من ذهب أو يأخذ شكل الغراب الأبيض أو خفاش يصطاد خبزه من دم غيره في ظلمة السلطة.
من خلال قراءة أفقية وعمودية للواقع الجزائري يظهر لنا ثلاث نماذج للمثقف الجزائري الأول المثقف الوجودي الذي عرف الكينونة والحرية باسم الجسد الموشح بالديموقراطية ويمثل هذا النموذج الشاعر الكبير عمر أزراج الذي اغترب بموقف لا في زمن نعم وتجلى موقفه الشعري الجبار في نقد السلطة في حزبها الوحيد الذي أراده أن يتبدد أو يتجدد أو يتعدد وتحققت نبوءته في أن طائر الليل ضاعت منه بلاده ولم يحرسه الليل وجميلة لم تقتل الوحش
النموذج الثاني المثقف السلفي الذي راهن على قيم عتيقة أخرجها من الاسلام بصورة طبق الأصل وأراد للقصيدة أن تكون بشارة لمدينة فاضلة فيها السيف أصدق أنباء من الكذب وتأرجحت قصائده بين عنتريات وأصالة صحابة وحياة تعود الى ينابيع الدين من أجل واقع يفلت منا في كل لحظة وتورط الشاعر في صدمة الارهاب وعرف كراف الخطايا لوجوده المتابلس انه عيسى لحيلح .
النموذج الثالث هو المثقف السلطوي الذي راهن على وجوده تحت ظل السلطة بكل عنفوان وتسلق كل أغصان السلطة وجدرانها من أجل الوصول الى غايته فتموقع بين لعنة وغفران وملاك وشيطان وجسد مشروعه الشعري في قصيدة طحلبية عنكبوتية تراهن على الغاية تبرر الوسيلة انه عز الدين ميهوبي .
من خلال هذه النماذج نشير الى فكرة مهمة تتجسد في شيئين أولهما أن جذور هذه النماذج سليلة السلطة التي تشكلت بعد العشرية السوداء الوجه الديني كما يبدو في عيسى لحيلح والوجه الذي يدعي الديموقراطية عز الدين ميهوبي والوجه الثوري عمر أزراج ولن كان أعلن تمرده السزيفي منه الشيء الثاني أن القصيدة عند كل شاعر صارت رمزا عند عز الدين ميهوبي خبزة وعند أزراج وردة وعند عيسى سكين
وجه المثقف الجزائري من خلال هذه النماذج يكشف عن نسق حياة تتصارع فيه السلطة مع المال والمعرفة واتفقت السلطة مع المال فأنتجت سياسي كالمغنية الصلعاء وبقيت المعرفة مهدي منتظر يترقبه الواقع كما في مسرحية صمويل بيكيت في انتظار جودو ..بقيت المعرفة في جوف مثقف يعاني المسخ كدودة هائلة شعرت بكينونتها في لحظة انشطار واغتراب وبدأت تفقد معنى الحياة شيئا فشيئا ..ان هذه النماذج ولدت نماذج أخرى أكثر مسخ لا جدوى من حركيتها نخب الريع التي تذهب مع الريح ونخب التجول السياسي ونخب الانتهازيين واليساريين والتكنوقراطين والاسلاميين والديموقراطين ونخب معلبة ومأدلجة ونخب نافذة ونخب منفذة مثقف جاع ومثقف باع ومثقف ضاع انه يفوح برائحة الكلب ومن قائمة المغضوب عليهم متسكع محظوظ انه اللاز الحلزون العنيد ..المثقف الجزائري في حالة مسخ وفسخ ونسخ لقد تشكل كما أرادت سلطة القوت .
نقرأ في النموذج الأول المثقف الوجودي عمر أزراج الموقف الشعري الذي يزعزع جدران الهوية المتجلية في الوطن التائه
وطن يحاصرنا بالليل
وبالذين يزحفون خارج ما نويناه
تلك أبواب الحديد تصد شجري وترسله
طيرا ميتا في الجهات
وريشا في جرة رماد
هاهي الجدران تغلق مصابيحها
وتلك الايام نداولها بين الموتى
هذا خطاب صدمة الكينونة بالعدم الوطن ياصر الذات بالليل كظلمة تؤدي الى التيه والشتات ‘ وأبواب الحديد تذبح الشجر معادل الروح فيصير طيرا ميتا في كل الجهات هاهو المثقف الوجودي يعرف وجهه في وطن جدرانه تغلق المصابيح في هذا المقطع نكشف المثقف في مأزق حياة ومأساة وجود ويظهر هذا في صوتين:
1 صدمة الكينونة بالوجود الوهم وحيرة الجسد بحريته عبر وطن له أبواب حديد وجدران تغلق المصابيح .
2 جحيم العدم المتمثل في حياة الموتى والطائر الميت في كل الجهات ولعل الجهات تحيل في القصيدة الى التيارات السياسية التي لاتعني أي شيء انه العدم .
الموقف الشعري الأزراجي يفسخ المرجع التاريخي للحرية والوجود ويجدد العقد مع الوجود / الواقع فيصطدم بكائنات انتهازية تقمع الحرية باسم الوطنية والتاريخ فالذات حين تقف وجها لوجه مع الواقع ترى شتاتا يمسخ وحيها ويحرمها من ارادة الحياة .
تجربة عمر أزراج هي تجربة الشاعر الوجودي المثقف النقدي الذي يراهن على فلسفة لا ولكن لا تجلب له الاغتراب والسراب ..تجربة أزراج تجمع بين صفتين أساسيتين للانسان الجزائري تتمثل في الحرية والديموقراطية في صورتها الناصعة التي تسر الناظرين .
النوذج الثاني المثقف السلفي الذي تغطى بالهوية فعرته الحرية عيسى لحيلح أراد بموقفه الشعري أن يكشف ملحمة السيف الذي لم يعد رمزا للفتح بل صار ديلا وخيبة انه يريد من القصيدة أن تعيده للمجد ويتوبيا الماضي فقرأ الواقع بقلب متوهج بموقف عذري يقول في خطاب الى الرئيس
كل المآسي في الجزائر سيدي
ضربت لها بين الجياع خياما
هذا البيت يكشف عن حلم تاريخي يشبه الموقف العمري وطقس العدل انه يعادل صورة الواقع بتناص يمتص به واقعه ليعيد صياغته ونفخه في الرئيس ثم يتساءل
من هؤلاء النابهون الناهبو
ن الطامعون الطامحون دوما
الأوفرون مثالبا والأخسرو
ن مناقباوالأفجرون خصاما
هو استفهام يوميء بقناع الشخصية المتلونة كالحرباء والمقنعة في كل مناسبة فبين النبه والنهب والطمع والطموح يولد كائن يريد كل شيء .
الخطاب الشعري عند عيسى لحيلح يقوم على شيئين
1 شغف بالهوية للعودة الى فردوس التراث لانقاذ الجسد من ضلالة الواقع .
2 بعث ثقافة الفتح في كل وصبغ الواقع بلغة الوحي .
ان الهوية التي يريدها عيسى لحيلح تطفح على سطح ملوث بالشيطان في حين أن ثقافة الفتح صارت فنطاسيا لا تنسجم مع ملابسات الوقت واللحظة الراهنة ‘ يبقى ان عيسى لحيلح يريد نصا طوباويا يستحلي التراث ويستملح النص المقدس ليعلن عن وجود قد تصدق عليه قاعدة ليس في الامكان أبدع مما كان .
النموذج الثالث المثقف السلطوي يبحث عن الزمن الضائع فيجده فجأة في كف السلطة يمثل هذا الصنف عز الدين ميهوبي شاعر حرق أصابعه شموعا لعيد ميلاد السلطة هو ظل السلطة لاكينونة لجسده الا بالسلطة يتبعها ويسبح في مجراتها ويتلاشى في ذراتها نقرأ في قصيدته لبختي
أستحي
أن أرى وجه أمي التي علمتني
حروف الهجاء
ومن صبرها أرضعتني
وحين انتبذت مكانا من الاثم
ناديتها
أنكرتني
ياعصافير زماني
امنحي قلبي مفاتيح الرؤى
امنحيني
مطرا أ وعاصفة
أو ورودا نازفة
يسقط العمر وأبقى
مثلما النخلة
دوما واقفة
امنحيني
وطنا أو زنبقة
كفنا أو مشنقة ...
كما يبدو للمتلقى فضاء القصيدة قاتم لأن الشاعر لبس قناع غيره الذي اغتيل في زمن الردة حين ردد أهازيج الحرية عز الدين عرف وظيفة الشاعر الذي هو نخلة واقفة وعرف وجه أمه الذي هوالاغتراب لكن عصافير زمانه لم تمنح قلبه مفاتيح الرؤيا أقصد التجلي العصافير اصطدمت بالمطر والعاصفة والورود الفازعة والزنبقة والكفن والمشنقة ذلك هو حديث مثقف له كلام بعد القلب وقرب العين لاقرب القلب وبعد العين انها قصيدة التوحد بذات أخرى ليست هي الذات الحقيقية التي تحترق بجحيم الوقت فالشاعر ساحر يمحو بالكلمات طقس الوجود ويثبت نحس الجسد المخضب بحناء السلطة .
القصيدة عند عز الدين ميهوبي تقرأ أفقيا بنار السلطة وعموديا بعصا السلطة انه يرضع لبنها من تحت الرغوة ذلك هو المثقف القابل لأي شكل سلطة وبامكانه أن يذوب فيه فالسطة بالنسبة لهذا المثقف شجرة الحياة تمنحه ثمرة القوت حتى ولو كانت الموت قصيدة عز الدين هي قصيدة العنكبوت الذي يحيا بموته في سبيل السلطة والمتلقى لأنماط شعره يكشف شيئين
1 شعرية بلا ارادة تحيا لتعيش
2 معنى كل شيء شرطه السلطة مهما كانت حتى ذاته .
وجه المثقف الذي تقترحه شعرية عز الدين ميهوبي مثقف ناعم ينفخ في الأشياء ريح السلطة والريح تجري بما لاتشتهيه ارادة الجسد .
2 قفا المثقف وجه السلطة/
اني لست الا ذاتي وأكره ان تحشرني في تصنيفك
مايجب أن يكون ...
تحشرني في تصنيفك وأنا لست أنا
ماهو كائن ...
كان يامكان والآن ليس في الامكان أبدع مما كان ..كان وجه السلطة فيما مضى والمتن على الراوي الدولة في خدمة السلطة واليوم والهامش ملوث بالحواشي السلطة في خدمة الدولة ..يجب أن نشير الى أن بنية السلطة في الجزائر تشكلت عبر مراحل منذ الاحتلال وكان شكل الأنتجلسيا يتلون حسب صيرورة الجسد وتوحده مع الأشياء الجسد مع الأشياء يبدع غوايته ويستكشف تجلياته ولذلك نجحت السلطة مرحليا في صناعة غواية الحياة انطلاقا من مؤثؤين أولهما نظرية اسلامية ذات طبيعة سياسية تريد السلطة أما الثانية نظرية فرانكوفونية ذات اتجاه علماني يتلون بالتكنوقراطية .
السلطة في بنيتها تتكون من وطنيين واسلاميين وديموقراطيين ولعل هذا نسخ منذ القطيعة والفجيعة التي حدثت في أكتوبر حسب أحداث العشرية السوداء والحمراء فالوطنيون راهنوا على هوية الوطن من جذور تاريخية اخذت لهبها المقدس من الشرعية الثورية وبقي هذا النسق يدور حول نفسه فأنتج غلمان أشأم من أحمر عاد كما قال زهير بن أبي سلمى وصارت آليات الأداء أشبه بقرني حمار وما حدث واقع سريع الالتهاب على كل المستويات وتحولات لا تستجيب لأنساق الوطنين لأن رهان الوطن صارت شماعة الانتهازيين الذين ملكوا كل شيء وباعوه في سوق النخاسة .
أما التيار الديموقراطي فهو يراهن على الواقع والبرجماتية المصلحية والوطن في هذا التيار مصالح مشتركة بقاعدة ما لي فهو لك واعتمد في آلياته على الشرعية الادارية لكن ماحدث لي كل شيء وليس لك الا ما أريد وفي ظل هذا التيار ظهرت برجوازية جديدة أخطوبوطية الشكل ملكت كل شيء وأثرياء جدد وبارونات للسكر والزيت والدواء وأغلب الديموقراطين الذين تداولوا على السلطة جمعوا بين القطيعة والخديعة والفجيعة فأفلست كثير من المؤسسات وبيعت الى أفراد وسرحت شريحة كبيرة من العمال وبدأالسطح يطفح بالفوارق الطبقية والتهميش والبيروقراطية .
أما التيار الاسلامي بدأ يتشكل منذ أحداث أكتوبر حتى نضج كا يبدو واحترف السياسة الرهان كان على هوية الماضي والاقتباس من مثالية الاسلام القاعدة الذهبية الاسلام هو الحل وصار الخطاب خطبا عصماء تريد غيبا أبيض في واقع لاتجرح فيه السلطة ولا تعدل واقع محبط للجسد مخنق للروح يسحق كوجيتو الذات ويمسخه واقع خراب
مظلم قاتم والأليات التي قدمها هذا التيار كانت ميتافزيقية طوباوية تعتمد على قاعدتين عدم شق عصا الطاعة لضمان الولاء والقاعدة الثانية الخطاب الديني البلاغي ظاهره إسلامي وباطنه انتهازي حتى يؤثر على فطرة الناس ومحادث أن الكثير من رجال هذا التيار الذين تداولوا على الكراسي جمعوا أموالا وكسبوا بمنطق ملتح.
وحدث التحالف والتالف والتآلف بين التيار الاسلامي والديمقراطي لتقسيم مات بقى من وليمة الوطن ‘ المتامل في بنية السلطة في الجزائر يجد بين ديمقراطية البطن الفارغ واسلامية القلب الفارغ ووطنية اليد الفارغة فكأن الديمقراطية عادلت موضوعيا البطون والتيار الاسلامي عادل موضوعيا القلب الفارغ والوطنية عادلت موضوعيا اليد الفارغة من خلال ما رصدنا يمكن تحديد شكل السلطة في الجزائر التي مازلت لحد ألان بلا وجه بلا معنى ... تنسخ كل شيء وتمسخه ...
سلطة جسد بلا رأس أو سلطة الرأس بلا جسد في بداية تكوينها كانت جسدا بدون رأس في زمن مصادرة الانتخابات وهي الآن رأس بلا جسد تريد من الديموقراطية الأكل والشرب والنوم ومن الوطنية الانتماء والهوية لتبرير الوجود ومن الإسلامية الطقوس الدينية والتبرك والتكافل والخير لكن ما يجري الآن من إحداث على المستوى الاجتماعي من مشاكل وكذلك على المستوى السياسي والاقتصادي يكشف التصدع والشرخ الكبير في نسق السلطة داخل سياق الواقع المتطور بتوتر عجيب وغريب ولا تجد له حل الا المسكن الآني الذي يقترحه البرلمان والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني.
السلطة بدأت من الشعب الى الشعب ثم بالشعب وللشعب فبالشعب وليس للشعب
السلطة في ظاهرها مؤسسات وباطنها مصالح فردية ونهب وسلب .
السلطة في ظاهرها قوانين وباطنها فوضى وغنائم .
السلطة في ظاهرها خدمة المواطن مهما كان وباطنها خدمة أهل النفوذ والمال .
السلطة في ظاهرها ديمقراطية وفي باطنها بيرو سقراطية .
واجهت هذه السلطة بعد الانتخابات مشكلتين أساسيتين هما الأمن ورفع مستوى المعيشة لكن مأتم كرس الرداءة والتيه وبين الأمن ومستوى المعيشة صار المواطن بين المطرقة والسندان يأكل خبز أسود وهو عائم في جحيم سلطة .
ان السلطة التي تشكلت في واقع الجزائريين هي ليست سلطة نخبة بل هي عصبة من الناس احتكرت كل شيء مرة باسم الديموقراطية أو الإسلامية أو الثورية ‘ فانعكس هذا على المثقف الذي فقد وجهه وصار طحلبا يعيش بقفاه ضيع المبدأ والهوية والحرية والوعي والمعرفة وصار همه القوت وانتظار الموت و انتشر وباء البرجوازية الجوفاء التي لا تنج ولا تبدع بل ترسخ ثقافة المسخ والاستهلاك ..يبدو ان المثقف وقع في فخ رأس المال الدجال وبدأ يرشح نفسه ليكون بساط الريح لسلطة تنسخ جسدا ناعما يمدح قيما زائفة ويتغزل بروح تائه في مدارات العدم .
الحياة عبئها ثقيل على من أصابه الهوان والخذلان هذا خراب المعنى في ظل السلطة والمثقف حمارها الذي ينوء تحت أثقالها ولا يعبأ بالأثقال سوى أن كانت ذهبا أو قشا ..خراب المعنى في ظل السلطة جعل المثقف ينسى واجبه ويكرس زهرة عمره لحقوقه والشيء الذي نريد أن نشير إليه في هذا السياق هو أن المثقف فقد حريته فأعدم وجوده أطفأ ملائكته وأشعل شياط ينفخ في المعرفة بلادة وحماقة يريد بتا التقرب من السلطان ..وتعددت أشكاله في الحياة الاجتماعية والسياسية من كلب الى حمار خفاش ببغاء غراب فأر حرباء ضفدع أصلع ..من يصحب السلطان فلا يجزع من قسوته هكذا تكلم ألتوحدي ذلك هو المثقف اللاز الذي له رائحة الكلب والجيفة في ذاكرة جسده فوضى حواس وأشياء .
السلطة تكونت بنظرية من الشعب والى الشعب فأنتجت نخبا أكلت كل شيء كالجراد ثم أعادت تشكلها بنظرية بالشعب وللشعب وسلب ونهب كل شيء ولم يبق غير السراب الذي يحسبه الظمآن ماء وهاهي تعيد شكلها بنظرية لها وجهان من الشعب للشعب والى الشعب بالشعب انها نزوة السلطة التي قنن لها ميكافيلي في أميره ليس المهم أن تكون رحيما وانما المهم أن يقال عنك أنك رحيم فأقس ما شئت وأبطش بمن شئت لكن ليكن لك ذلك فن يخدع الناس عن حقيقة نفسك فأنت في ظنهم الأمير الذي يحنو على البائس ويعطف على المرحوم ذلك هو ماؤك أيها الحوت اشرب أو تموت ابلع السكين في دمها المثقف في ظل السلطة دمر المعرفة باسم السلطة ووأد حريته باسم السلطة لقد صار من نخب الريع التي تذهب مع الريح .
وجه السلطة ولد للمثقف قفا لم يعد يفقه أي شيء قفا يغيب عنه معنى الحياة والوجود بل يغيب عنه معنى الوطن وربما في هذا المقام نستند الى النماذج التي ذكرانها عمر أزراج مثقف الحرية اغترب ومثقف الهوية عيسى لحيلح سلب ومثقف كل شيء عز الدين ميهوبي علب .
ما يمكن أن نصل إليه من خلال تفكيك بنية السلطة أنها أنجبت مثقفا عريض القفا كلامه جعجعة بلا طحين موقفه يميل حيث الريح تميل مسلوب من ارادة الحياة ومن كينونته لا يعرف سر وجوده انه مثقف المأساة يحلم بامرأة في حدود الشمس لكن هذه المرأة هي السلطة في غوايتها وسحرها وخطيئتها .
3عتبة السلطة ملحمة السقوط /
المثقف اما باع وراح أو جاع وطاح أو ضاع وصاح ...
المثقف في ظل السلطة يجب أن ينتحر فكريا ليعيش أما اذا رفض هذا الظل فعلية أن يختار بين شيئين أحلاهما مر أما الصمت أو الاغتراب وبين الصمت والاغتراب تبدأ ملحمة السقوط على عتبة السلطة هذه العتبة نسخت المثقف على صورتين صورة المثقف الدون كيشوتي يعيش الوهم ويرى الطاحونات جيوشا تحاربه وهو الفارس الجامح للحب والسلام أو المثقف الدون جواني الذي يرى كل يوم السلطة امرأة بغواية جديدة وسحر آخر .. السلطة عرفت هذا المثقف المزيف فأغرته بمكان تحت الشمس فصار مديرا في الاذاعة ومديرا للثقافة حتى يبرر فعله لها وبدأت الثقافة تتطور الى احتفال ومهرجان وأعراس لمدن الملح والمثقف هو الراعي لهذه الكرنفالات .
أزمة المثقف الجزائري مع السلطة يمكن تشخيصها من خلال الفرانكوفونية / الفرنكوفولية والبرجوازية الثورية التي احتكرت الكراسي بحيث فقد المثقف وحيه وفكره ومزق نسيج لغته فصارت لغته لغة عنكبوت ومن هنا تبدأ ملحمة السقوط ولعل المتأمل في شعرية عمرأزراج يكشف قصيدة الثمانيات التي تغرس مسمار الذات في خشبة السلطة فيبدو السؤال ما ذنب المسمار يا خشبة أيها الحزب الواحد توحد أو تعدد أو تبدد فقدأدرك الشيب الصغار انها الجميلة تقتل الوحش أزراج عمر أعلن بروميثوسه حين سرق النور من السلطة فأصبته لعنة الاغتراب وصار طائر ليل يبحث عن بلاده والسقوط الذي ينسجه أزراج يتمثل في حالتين
الرفض بمنطق حلاجي سهروردي يعوض نظام الظلام بهياكل النور
ثورة الروح على الجسد .
أنا البربري الأشد عزلة من الصحراء
في حضرة من لاأهوى
ومن لاأهوى هو المنفى
ثورة أزراج توميء بواقع مغلق عدمي الوقت سرابي الوجود .
ان الوجود اللغوي في ملحمة السقوط يتشظى في شعرية أزراج رغم أن المتخيل الوجودي مازال ينبض بحال النور .
هكذا ضاعت بلادي
أيها الحزب الوحيد
أدرك الشيب الصغار
أيها الحزب الوحيد
غزت النار الديار
أيها الجالس كالفقر علينا
نرفض النزهة في السجن والانجاب في المنفى المشجر
أيها الحزب المحجر
اننا نطلب شيئا واحدا تجدد أو تعدد أو تبدد
فأنا القائل لا واحد الا الشعب الباقي زبد
آه يا أطفال البلد
البسوا أحلامنا والشهداء
ثم صيحوا يسقط القيد وتاريخ الذيول
ويقول :
انه الطوفان لاشيء يقي الأعداء لا البحر
ولا البر ولا القصر ولا السجن الذي عد لأحلام الرجال
أيها الحزب الذي يدعي الوسط
ان شعبي قد قنط
كل شعبي قد قنط
هذه ملحمة سقوط الذات على عتبة سلطة رسمت بالوهم والخديعة فأبدع الشاعر خلاصه وأعلن نهاية التاريخ وبشر بزرادشت آخر نيتشوي الجنون والمحو يسحق جسدا تلوث بتاريخ طحلبي ران على الروح .
الشاعر نبي يرى مايريد وقد صدقت الرؤيا وتم توسيع حزب جبهة التحرير باسم الديموقراطية وتنوعت الأحزاب كالجراد مرة تحت ظلال الثورة اللهب المقدس ومرة تحت سماء الوطن وكل حزب بما لديه فرح .لكن السؤال الحرج الذي يطرح نفسه هل السلطة حين فسحت المجال لديموقراطية الأحزاب تخلت على الحزب الواحد ؟ الواقع يكشف في كل تطوراته كيف أن السلطة أمام أي مشكلة تدخل الى عنق الزجاجة فتلجأ الى ريع النفط اقتصاديا والى وضع القوانين والمراسيم سياسيا لكن لونفذ النفط ما ذا تفعل السلطة ولو أخترق القانون ما ذا يجري ... السلطة الآن بين ايروس باروناتها ولغوس شعبها والشعب يريد والسلطة تسود ياترى ماذا تعطي السلطة للشعب لو نفذ النفط والشعب قد قنط والوطن ملغم بألف بئر نفط ونفط .
المثقف هو من معذبي الأرض كما سطر فرانز فانون والمصير قدر سزيف كما عاش ألبير كامي .
أزراج الشاعر هو ذلك المثقف النقدي الذي قرأ أنساق السلطة بسياق اللحظة القلقة فعبر بقصيدة التجلي والتحلي والتخلي بالتجلي استشرف الحرية وبالتخلي تجاوز الماضي البائد الذي لا يسمن ولا يغني من الجوع وبالتحلي عرف كينونة الانسان الجزائري الذي يريد أن يكون بسلطة تضمن له ماء الوجه وكينونة الابداع عرف رأس المال الذي تلوث بغواية الحال .
يقول في قصيدته العودة الى تيزي راشد
وداعا لكل دالية لاتثمر الا في الذكرى أو الحلم
وداعا للاستمناء
وداعا بامن سيحتفلون في تحديد مساحة قبري
انها ملحمة السقوط ملحمة السندباد الأزراجي الذي رأى وجه السلطة الماكر انه في حالى وداع لدالية لاتثمر في جنة السلطة يودع الاستمناء الذي يدل على عدمية الغواية وحيوانية الذات التي مسخت ونسخت على عتبة السلطة يودع صنف من كائنات السلطة وهي تحتفل في تحديد مساحة القبر قبر الجسد المخضب بشظايا المستحيل ..كل شيء يتكرر على عتبة السلطة بنفس اللون والذوق والعبق ..
هي سلطة تمسخ الجسد وتنسخ الروح ..السلطة كنخبة مسخت المواطن ونسخت القوانين وقد ينقلب السحر على الساحر لاطاعة للسطة تخالف القانون لأنه لاسلطة الا سلطة الشعب ..هذه سلطة العصر أممت الممتلكات سابقا وهدمت المؤسسات وطردت العمال فعم البلد الاحتجاجات والاضرابات والحرقة والانتهازية ..
هذه السلطة أدت الى انسداد المشهد السياسي فاستحال التغير الارادي والاداري من الداخل واستحال التغير بالقوة واستحال تفسخ نظامها واستحال التغير بتيار مثقف وصار التدوال على هذه السلطة تآمر النخب المثقفة على بناء الدولة فلم يفلح تيار الديموقراطين ولا الوطنين ولا الاسلاميين ولا الثوريين في تشيد بناء الدولة وأبدعوا في بناء سلطة شرسة كلها بارونات تحتكر الخبز والسكر والزيت والدواء .
لم يكن المثقف ذلك الكائن الخلاق الذي يبدع ديمومة الحياة وكينونة الحرية التي تعيد للسلطة ماء وجهها وللشعب دمه المسلوب المنهوب .
المثقف الذي تشكل هومثقف انتهازي مكسر الجناح بارع في تبرير السلطة من أجل خبز أسود يعتقد أنه يبيض أيامه .
السلطة قضت على المثقف بمنطق الانتحار الثقافي فان كان المثل العربي يقول تجوع الحرة ولا تأكل بثديها فهاهي الحرة تجوع وتأكل بثديها .
المثقف ذاب في السلطة فمسخ ونسخ وعقده مع مجتمعه ووطنه فسخ فرضخ وحدث الشرخ.
4 خيبة الديموقراطية / أنا بمنطق الديموقراطية آخر لي ماله وعلي ماعليه ..
الديموقراطية هي حكم الشعب بنفسه ولنفسه ‘ يبدع الشعب بتا مؤسساته وتشريعاته ودستوره وبرلمانه وسلطاته التنفذية والتشريعية والقضائية وما ينشأ بديموقراطية يكون شرعيا يتم بتا التداول على السلطة بالمجايلة والكفاءة فلا شيخوخة قيم في الديموقراطية بل شبانية حرية وارادة للحياة ‘ السؤال الذي يطرح نفسه كيف فهمنا في الجزائر الديموقراطية وكيف تداولناها وطبقناها ؟
من خلال قراءة تداعيات المرحلة وتحدياتها تم تشرب الديموقراطية بمصلحية عدمية أنانية ذاتية لا برغماتية عملية تضمن المنافسة والاختلاف والائتلاف وهنا تجلت الديموقراطية خيبة ونحس في جزائرنا فالشعب فهم الديموقراطية حقوق مطلقة والسلطة فهمت الديموقراطية أنا لي كل شيء أتصرف متى أشاء وأنت لك ما أمنحه لك صدقة يعني هذا أن المواطن يريد الديموقراطية بيضة الذهب والسلطة تريدها الدجاجة فمثلما الديموقراطية حقوق فهي أيضا واجبات ومثلما هي حرية واختيار فهي حياة ومبدأ ومثلما هي نسق فكري فهي سياق اجتماعي وحضاري وسياسي وأراهن في جزائرنا على سر الديموقراطية عند الطبقة السياسية أن تقدم لنا مفهوم وجودي حياتي فهناك نخب سياسية في السلطة لاتحسن التفكير والمعرفة والكولسة وهي نافذة في القرار باسم الديموقراطية التي مات من أجلها سقراط لأنه بدأ ديموقراطيته باعرف نفسك بنفسك وما أخذ من الديموقراطية أنفع نفسك بنفسك فالديموقراطية خلقت في الجزائر فوضى الأشياء فظهرت طبقة الأثرياء الجدد برجوازية خدماتية لا تنتج شيئا بل تستهلك كل شيء تأكل ليجوع غيرها وتشرب ليظمأ غيرها وتلبس ليتعرى غيرها كذلك نجد طبقة أخرى من أفراد تبيض الأموال وبارونات الأعمال ورواقيين السلطة وسفسطائيين الكلام وكلبيين النهب ..حتى ولو نظرنا الى المثقف كيف فهم الديموقراطية فنرى صنف يجعلها أكل القوت والتوشح بالسكوت لأنه هذا ماؤك أيها الحوت اشرب أو تموت وصنف يراها حرية طوباوية تجعله كالحمام المكسر الجناح يسقط على البرج الخالي في حين يجب ان ينظر المثقف الى الديموقراطية أنها أداة تمنح الحرية ارادة الحياة وتخرج الوعي من رومنسيته الى براجماته الديموقراطية في ذهن المثقف لها حالة عدم التعيين انه بطل عرس البغل يريد شبقه على حساب وقته .
الديموقراطية جعلت السلطة تتوحد بالثروة والمعرفة وفي الجزائر توحدت السلطة والثورة والثروة واغتيلت المعرفة وفي بعض الأحيان تجهض وقد تزني السلطة بالمعرفة أو الثورة بالمعرفة أو الثروة بالمعرفة .
المثقف يدرك هذه الطامة لكنه لاحياة لمن تنادي فهو مشغول بتخنيث المعرفة ويقوم بتسليع الفكر والجسد والأشياء والحرية والمعرفة .
ما أحلم به هو ديمقراطية من صميم الوجود تتخذ معراج العضباء التي رمز بتا طاهر وطار في روايته الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي هذه العضباء تحلق بأجنحتها في سماء الوطن وتحول القمر والشمس الى أبار نفط أريد ديمقراطية استشرفها واسيني الأعرج بعد فاجعة اللية السابعة بعد الألف من شرفات بحر الشمال وجسدها في البيت الأندلسي الذي يعادل موضوعيا هوية ضائعة أريد ديمقراطية زئبقية زنبقية الروح تتجلى من ذاكرة الجسد لتمحو بقايا النحو من فوضى الحواس ويصير نسيانكم بداية حرية وتحضر .
الديموقراطية في الجزائر أدخلت البلد في عنق الزجاجة فلا السلطة استوعبت قضايا العصر فالواقع في واد والسلطة في واد وكل الحلول لمشاكل المواطن يتم حلها بالتلفيق فلا جرح ولاتعديل للقوانين المرحلة وتكاثرت القوانين والمراسيم كالطحالب على جدران الدولة وكثر اختراقها..أكل المواطن في ظل ديمقراطية السلطة الخبز الحافي وشرب الماء بذبابه ولبس الحياة بفجيعة وخديعة وقطيعة فجيعة المستقبل المجهول القاتم وخديعة الواقع وحالات اللامعقول والقطيعة في حبل الوصل بين المجتمع .
يجب أن نشير الى فكرة مهمة تتعلق بديموقراطية السلطة الجزائرية